المدير مدير
عدد المساهمات : 71 نقاط : 53500 تاريخ التسجيل : 06/05/2010
| موضوع: مقال حول مقياس الحقيقة السبت مايو 15, 2010 5:02 pm | |
| 3–مقاييس الحقيقة
: س / ما مقياس الحقيقة ؟ج / إن مقاييس الحقيقة تابعةعموما لطبيعة هاته الحقيقة ومجالاتها ، والفلسفة أصحابها ، لذلك يمكن القول بوجودعدة معايير يذكر منها: 1 – مقياس البداهة و الوضوح " الحقيقة المطلقة " ( العقلي ) :البداهة و الوضوح مصدرهما العقل لأنه هو المعيار الذي يلهم جلالمفكرين و الفلاسفة وحتى عامة الناس يقول سبينوزا ( 1632 – 1677 ) الهولندي: " الهولندي هل يمكن أن يكون هنالك شيئا أكثر وضوحا و يقينا منالفكرة الصادقة يصلح أنتكون معيار الحقيقة ؟ فكما أن النور يكشف عن نفسه و عن الظلمات ،كذلك الصدق هومعيار نفسهو معيار الكذب " مما يدل أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه و هوالوضوح الذي يرتفع فوقكل شيء ، و يتجلى ذلك في البديهيات الرياضية التي تبدوضرورية وواضحة بذاتها كقولنا " الكل اكبرمن الجزء " و " أن الخط المستقيم هو أقصرمسافة بين نقطتين " و يقول ديكارت ( 1596 –1650 ) " لاحظت أنه لا شيء في قولي: أنا أفكر إذن أنا موجود يضمن لي أن أقول الحقيقة ، إلا كوني أرىبكثير من الوضوح أنالوجودواجب التفكير ، فحكمتبأنني أستطيع اتخاذ قاعدة عامة لنفسي ، وهي أن الأشياءالتي نتصورها بالغ الوضوح و التمييز هي صحيحةكلها " و يضيف قائلا " كل ما يمكنمعرفته عن الله يمكن البرهنة عليه بمبررات لسنابحاجة للبحث عنها ، بعيدا عن أنفسنا،و التي لا يقوى على توفيرها لنا سوى تفكيرنا " و بالتالي لا مجال للشك فيالحقائقالمطلقةالواضحة بذاتها.2 – مقياس النفع " الحقيقة النسبية" : لقدنظر "بنتام " ( 1748 – 1832 ) فيلسوف إنجليزي من رواد المنفعة في العصر الحديث : " الحقيقة نظرة تجريبيةواعتبر أن كل إنسان من طبيعته الميل إلى اللذة وتجنب الألموبالتالي الخير ما يؤديإلى المنفعة و بالتالي هو الحق و الشر ما يؤدي إلى المضرة وبالتالي فهو الباطل وبناء على هذا وضع مقياسا لحساب اللذات التي يمكن أن تحقق أكبرقدر من المنفعة من سبعدرجات هي اليقين ، الخصوبة ، المدة ، النقاء ، القرب ،الامتداد كما أنه قبل القيام بالعمل لابد منالتفكير في المنفعة المنشودة والتأكدبأبعادها حسابيا فنتساءل :1- هل بكل طريقة حسابية يعطي هذا العمل اللذائذ ؟ " اليقين "2 – هل هذه اللذة شديدة أم ضعيفة ؟ " الشدة " 3 – هل الخير فيالحاضر أم في المستقبل ؟ " الخصوبة" 4 – هل اللذة مستمرة أم قصيرة الأمد ؟" المدة" 5 – هل اللذة تمتزج بأي ألم أم لا ؟ " النقاء " 6 – هل اللذة قريبةأم بعيدة " القرب" 7 – هل هذا العمل فيه منفعة لي أم منفعة لغيري ؟ " الامتداد " أما البرغماتية التي هي امتداد للفكر النفعي فإنها ترى أن مقياسالحقيقةالفكرالعملي التطبيقي الميداني لا الفكر المجرد البعيد عن الواقع ، لأن العقل أداةللحياة العملية ، كماأن قيمة الفكرة من حيث الصدق أو الكذب ، النفع أو الضرر ،الحقيقية أو المزيفةترجع إلى ما تحققه من نتائج عملية نافعة ، فالعبرة بالنتائج ،فالصدق صدق لأنه نافع ويقول " وليام جيمس" فيلسوف براغماتي أمريكي ( - ) " إن كلما يؤدي إلى النجاح فهوحقيقي ، و أن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة ، و ما هوصالح لأفكارنا و مفيد لنا بأي حال من الأحوالفهو حقيقي " و يضيف أيضا " الحق ليسإلا التفكير الملائم لغايته ، كما أن الصواب ليسإلا الفعل الملائم في مجال السلوك" و كان " بيرس " قد أكد نفس الفكرة عندما قال : " إنتصورنا لموضوع ما ، هو تصورنالما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لاأكثر ... تدبر الآثار التي يجوز أنيكون لها نتائج فعلية على الموضوع الذي نفكر فيه، وعندئذ تكون فكرتنا عن هذهالآثار هي كل فكرتنا عن الموضوع " و في موضع آخر يقول وليامجيمس : " أسمي الفكرةالصادقة ، حين نبدأ بتحقيقها تحقيقا تجريبيا ، فإذا ما انتهيت منالتحقيق و تأكدتمن سلامةالفكرة ، سميتها نافعة فهذه الآثار التي تنتهي إليها الفكرة هي الدليل علىصدقها أو هي مقياسصوابها ... و أن التفكير هو أولا و آخرا و دائما من أجل العمل " ذلك إذا ما تضاربتالأفكار و الآراء على الإنسان أن يرجع إلى التجربة العملية التيتكشف له عن الفكرة إنكانت صادقة أو غير ذلك ويضيف أيضا " والتجربة هي التي تكشف منالمنفعة أو عدمها إنهاهي محك الصدق ، و الزيف ، مقياس الحق و الباطل ، معيار الخيروالشر " ، كما أنالإعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية : و التناول التجريبيالوحيد وله هو آثاره فيحياة الإنسان و المجتمع إذ يؤدي إلى الكمال ، بما فيه منتنظيم وحيوية . إذن الحقيقة تقاس بمعيار العملالمنتج و ليست حقيقة في ذاتها ، و إنالنتائج والآثار هي الدليل على صدقها أو صوابها .3 - مقياس الوجود لذاته:أن الوجود لذاته عند الوجوديين هو الوجود الإنساني الذي يشعر به كلواحد منافي عالمهالداخلي و يحياه بكل جوارحه ومن مميزاته أنه ليس وضعا نهائيا و لا ساكنا وإنما هو تجاوز مستمر لماهو عليه كل واحد منا ، كما أن الوجود لذاته هو أساسالفلسفة الوجودية و مصدر فلسفتهم و يقول في هذاالصدد جون بول سارتر ( 1905 – 1980): إن الأشجار والأحجار هي مجرد كائنات ، وإن الإنسان في هذا العلم هووحده الذييوجد لذاتهأي يمتلك وجدانا " أو بتعبير آخر و يقول " لا شيء مهم مثل وجود الإنسان " و يقول ياسبرس ( 1883 –1969 ) الفيلسوف الألماني : " إن كلمة وجود هي أحدمرادفات كلمة واقع ، بيد أنها قد اتخذت وجهاجديدا ، بفضل التوكيد الذي أكدهكيركجارد فأصبحت تدل على ما أنا إياه بصورةأساسية ذاتي " و يقول أيضا " إن الواقعقد دخل في تاريخ طويل ابتدأ من بداية غامضة فينتاج كيركجارد" و أن الوجود سابق عنالماهية و معناه أن الوجودي يقوم في بداية الأمربغير ماهية و أكون عند ولادتي ناقصالصورة لأني الكائن الوحيد الذي يكمن وجوده فيحريته على عكس الحال مع سائرالكائنات ، ولكي أحدد ماهيتي وجب أن أختار ، ولكي أختار وجب أنأكون موجود ، لذلكالصواب أنأقول أنا أفكر إذن فأنا كنت موجودا و ليس أفكر إذن أنا موجود ، وما كانقبل وجود الإنسان يعدعدما ، وعليه الشعور أو الحدس هو مصدر المعرفة فإذا كانالعقلانيون يقدمون العقل و يضعونه فوق كل اعتبارفإن الوجوديين يضعون الوجود ومايستدعيه من شعور باطني و انفعالي فوق كل حقيقةلأنه قادر على الاستمرار حيثما تنقطعسلسلة الاستدلالات العقلية و المقارنة الفلسفيةالخاصة يقو كيركجارد (1855 – 1913) الفيلسوف الدانمركي : ( إن مسألة المسائل هي أن أجد حقيقة ...حقيقةو لكن بالنسبةإلي ، أنأجد الفكرة التي من أجلها أيد أن أحيا و أموت " و يضيف أيضا " الحقيقةهيذات الحياةالتي تعبر عنها : هي الحياة في حال الفعل " و يضيف قائلا " إن مؤلفاتيكلها تدور حول نفسي...حول نفسي وحدها و لاشيء سواها ...إن إنتاجي كله ليس سوىتربيتي لنفسي "أما سارتر فيقول " إن علاقتي بالعالم هي التي صيرته بالنسبة إلي ذادلالة إذ أنه صار قابلاللمعقولية ، وهو يتكون من ظواهر هي التي تألف الموجوداتالحقيقية " وهذا لأن الكائن الإنساني حرحرية مطلقة في تحديد مصيره و قيمه فيالوجود دون ضغوطات أو قوالب فكرية جاهزة منالبداية حيث يقول سارتر أيضا " إنالإنسان لا يوجد أولا ليكون بعد ذلك حرا ، وإنماليس فوق ثمة فرق بين وجود الإنسانووجوده حرا" فكل واحد منا يتمتع بإرادة حرةتسمح له باختيار ما يراه مناسبا له مثلاسارتر فضل الشيوعية و هيدجر فضل النازية ياسبرسفضل الليبرالية دون أن يفرض أحدهماختياره على الآخر بل يرون أن تفضيل اختيار مامعناه إلغاء بقية الاختيارات الممكنة- إعدامها – كما أن الوجود لذاته فهو وجود يدخل في مقوماته العدموالعدم يكشف عننفسه في حالالقلق ، وهذا الوجود تناقض لأنه نقطة التلاقي بين المتناهي واللامتناهي، وبين الزمني والسرمدي ، وما يهدد الإنسان هو الموت وكما قيلالإنسان ولد لكي يموت، مشروع موت ، يسير نحوالموت و هذا الذي يزيد من قلقه و تعدد الوجدانات مصدرالنزاعات لأن كل وجدان يمثل حسب وجه نظره ممايؤدي إلى منازعات و يقول سارتر : " إنمنذ الآونة التي نشعر فيها بأن إنسانا آخر ينظرإلينا إنما نشعر أيضا بأن الآخريسلبنا عالمنا على نحو من الأنحاء ، هذا العالمالذي كنا نمتلكه وحدنا حتى هذهاللحظة " و يضيف قائلا " إنني ابتداءمن الآونة التي أشعر فيها أن أحدا ينظر إلي ،أشعر أنني سلبت عن طريق نظر الآخر الموجه إلي وإلى العالم ...إن العلاقة بينناوبين الآخرين هي التي تخلق شقاقنا " لذلكخلص إلى مقولته الشهيرة إن الآخرين همالجحيم.مناقشة: 1 – إن أصحاب الحقيقة المطلقة حصروا الوجود في الذاتالعارفة و ليس البحث فيالوجود من حيث هو موجود ، كما جعلوا معيار الصدق و الوضوحمعيار ذاتي رغم أننا لاننكر دور العقل في الحقيقة غير أن الحقيقة ليست دائما صوريةو يقينها ليس دائماالعقل فللواقع دور في بلوغ الحقيقة - فكر ، وجود – كما أن لميولالإنسان و انفعالاته –عواطف ، تربية ، اتجاهات فكرية – دخل في التأثير على معيارالحقيقة .2 – إن النفعية على صواب لو اقتصرت على المجال التجريبي و لكن أصحابهاأرادوا أن يجعلوهاشاملة لجميع أنواع الحقائق الفلسفية و السياسية والدينية ممايؤدي إلى القضاء علىالحقيقة لأن الخطأ نفسه قد يؤدي إلى نتائج نافعة و بالتالي فإنالنفعية و البرغماتيةلا يفرقان بين الخطأ والصواب ما دام في الخطأ منافع بحجةالمنفعة و عليه تصبح الحقيقة شخصية ونسبية و محلاختلاف و حتى صراع بين الأفرادلاختلاف منافعهم مما يفقدها قيمتها لكونها بعيدةعن العلم والتأمل الفلسفي وهذالأننا نحسب لها حسابا عدديا قوامه النتائج 3 – كما أن الحقيقة أوسع مما ذهبإليه الوجوديون فليس من باب الحكمة التمرد علىقيمة الحياة الاجتماعية من أجلالتمرد و هجران الفكر المجرد من أجل الغوص فيالتأمل في الذات الشاعرة و هذا لأنالإنسان اجتماعي فمعيار الوجوديين غير كاف .
| |
|