الوضعية الثالثة :من الثنائية إلى الأحادية القطبية
الإشكالية :شهد العالم مع نهاية الثمانينات تحولا في علاقاته الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهو ما سمح بظهور ملامح نظام دولي جديد .
فما هو مفهومه وما أهدافه ومؤسساته ؟
1- تفكك الكتلة الشرقية وسياسة التطويق :
يعود تفكك الكتلة الشرقية وانهيارها اساسا إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره تبعا لعدة أسباب وهي :
-تعدد قومياته البشرية : إذ تشكل أساسا من 32قومية , بينها اختلافات لغوية وعرقية ودينية كبيرة .
- محاولة السلطة السوفياتية تحقيق سياسة التوازن الجهوي عبر المجال الواسع للإتحاد السوفياتي (22.4 مليون كم2) وهو ما أرهق الخزينة السوفياتية وعرضها للعجز في نهاية المطاف .
- تركيز السلطة السوفياتية على الجانب العسكري على حساب الجانب الاجتماعي للسكان , وهو ما ولد نقمة اجتماعية ضدها .
- اهتمام السلطة السوفياتية بحلفائها في الخارج ولو على حساب مصالح شعوبها في الداخل وهو مازاد من النقمة الاجتماعية ضدها .
- تميز الاقتصاد السوفياتي بمركزية شديدة غيبت الاجتهادات الفردية وهو ما خلق هو بين الطبقة العاملة والسلطة الحاكمة , وأدى إلى ركود الاقتصاد السوفياتي .
- التدخلات العسكرية العديدة للجيش الأحمر السوفياتي في الخارج وما نجم عنها من خسائر مادية وبشرية .
- فشل السوفيات في تحقيق أمنهم الغذائي رغم ما بذلوه من جهود , وهو ما عرضهم لضغط السلاح الأخضر الأمريكي -
- عمل الولايات المتحدة الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي بغرض إسقاطه حتى يتسنى لها الأمر بتزعم العالم .
- ضعف حلفاء الاتحاد السوفياتي في الخارج .
- سياسة ميخائيل غوربتشاف الإصلاحية في نهاية الثمانينات والتي بناها على سياستي الغلانسوست (الشفافية والوضوح في التسيير) والبروستوريكا (تحديث الاشتراكية وإدخال الديموقراطية فيما بينها) , وهذا لم يكتف العالم الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بإسقاط الاتحاد السوفياتي وتفكيكه لعدة دول بل عمد إلى تطويق أكبر الجمهوريات المستقلة عنه ووريثته سياسيا واقتصاديا وعسكريا (روسيا) بمجموعة من الدول الصغرى تحول دون وصول روسيا إلى المناطق الدافئة في شمال ووسط وجنوب أوروبا , وآخر مظاهر سياسة التطويق هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية نشر درع صاروخي أمريكي بدول أوروبا الشرقية قرب الحدود الروسية .
مظاهر تفكك الكتلة الشرقية (مظاهر نهاية الحرب الباردة) :
* تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره في21ديسمبر 1991م
* تفكك الكتلة الشرقية وتحول دول أوروبا الشرقية من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي مع مطلع التسعينات
* حل حلف وارسو العسكري ومنظمة الكومكون الاقتصادية بعد قمة مالطا ديسمبر 1989م
* تحطيم جدار برلين في9 نوفمبر 1989م
* توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر 1990 م
2-ملامح النظام الدولي الجديد :
1/- مفهومه :هو مجموعة القواعد والأسس التي يراد بها تسيير عالم ما بعد الحرب الباردةفي جميع المجالات , والهادفة إلى إيجاد عالم مستقر خال من النزاعات , تسوده الديموقراطية والتعاون والإيخاء بين الدول .
كما هو في ذات الوقت النظام الذي تريد الو.م.أ من خلاله فرض هيمنتها على العالم , بعد انفرادها بالزعامة الدولية إثر تفكك الاتحاد السوفياتي , وقد طرحت فكرة هذا النظام لأول مرة على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب خلال مؤتمري باريس في نوفمبر 1990م ومدريد في أكتوبر ونوفمبر 1991.
2- أسباب ظهوره :
* الرغبة الأمريكية القوية في السيطرة على العالم منذ نهاية الحرب العالمية ii
* تفكك الاتحاد السوفياتي
* زوال المعسكر الشرقي
* إنفراد الو.م.أ بالزعامة الدولية
3- أهدافه :
- الظاهرة :
* إيجاد عالم مستقر خال من النزاعات الدولية , بتقوية دور هيئة الأمم المتحدة
* نشر الديموقراطية في كافة أنحاء العالم
* ترقية حقوق الإنسان في كافة المناطق
- الخفية (الحقيقية) :
* ترجيح كفة الو.م.أ وتقوية دورها الريادي على الساحة الدولية
* تكوين كتلة دولية بزعامة الو.م.أ لمواجهة أي تكتل دولي معارض للنظام الدولي الجديد
*زيادة هيمنة الدول الكبرى على ثروات الشعوب المستضعفة بحجة تشجيع الاستثمار وحرية التجارة
* زيادة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الصغرى تحت غطاء نشر الديموقراطية وترقية حقوق الانسان
المؤسسسات الفاعلة في النظام الدولي الجديد (أساليب تطبيقه) :
1- المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية :
وهيصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة الحرة , وتستخدمها الدول الكبرى التي على رأسها الو.م.أ كأدوات اقتصادية لفرض هيمنتها على الدول الضعيفة وإرغامها على القبول بالنظام الدولي الجديد من خلال ربط استفادة الدول من خدمات تلك المؤسسات بشروط مجحفة تخدم بالدرجة الأولى مصالح الدول الكبرى داخل الدول الصغرى .
2- هيئة الأمم المتحدة :تستخدم كأداة سياسية بمنح الشرعية الدولية للتدخلات الأجنبية للدول الكبرى في الشؤون الداخلية للدول الصغرى مثل ضرب العراق حاليا , ومسألة دارفور في السودان .
3- الحلف الأطلسي :
وهوالأداة العسكرية التي تراهن عليها الو.م.أ لفرض هذا النظام بقوة السلاح , لذلك نجده الحلف الوحيد الذي أبقي عليه حتى بعد نهاية الحرب الباردة .
4- المنظمات غير الحكومية :وهي منظمات غير سياسية تنشط في عدة مجالات مثل حقوق الانسان والديموقراطية وشؤون المرأة والطفل والبيئة وتستغل هذه المنظمات هذا النظام باستغلال تقاريرها في التدخل بالشؤون الداخلية .
5- الشركات المتعددة الجنسيات :وهي أداة للاستعمار الاقتصادي الذي ظهر بعد الحرب العالمية ii , وبات اليوم يزداد خطورة كون الدول الكبرى تستخدم هذه الشركات في استنزاف مقدراتالدول , وهو مايؤدي إلى إضاعفها وإفقارها , ويسهل فرض الحلول عليها .
6- وسائل الاعلام :وهي من أهم المؤسسات الفاعلة في هذ النظام ومن أخطر أساليبه في ظل تطور نظم الاتصالات في عالم اليوم وسيطرة الدول الرأسمالية الغربية عليها , إذأن هنالك 4 وكالات أنباء فقط تسيطر على80% من تدفق المعلومات في العالم , وتكرس هذه النسبة لخدمة المصالح الغربية الرأسمالية بنسبة 90% من اجل ترسيخ أفكار الغرب وتمرير رسالته الغربية والحضارية وفرض هيمنته وسلطته .
لوحدة الثانية :تطور العالم الثالث مابين 1945م-1989م
الكفاءة القاعدية :أمام وضعيات إشكالية تعكس تطور العالم الثالث مابين 1945م و1989م يكونالمتعلم قادرا على دراسة ظاهرة التحرر باستغلال مجموعة سندات (وثائق).
الوضعية الأولى :استمرارية حركات التحرر
الإشكالية : عرفت بلدان العالم الثالث ريادة نشاط حركات التحرر بعد الحرب العالمية الثانية .
فما عوامل ونتائج ذلك ؟
1- مفهوم العالم الثالث :وهو مصطلح جغرافي سياسي أطلقه الفرنسي ألفريد سوفي عام 1956م على الدولالمستقلة حديثا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية , والتي رفضت سياسةالحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي متبنية الحياد الإجابي , وهو ما يعرف اليوم بعالم الجنوب المتخلف .
2-مفهوم الاستعمار التقليدي :وهو مصطلح سياسي يتمثل في نمط الاستعمار المباشر الذي يعتمد الحملات العسكرية المباشرة والحكم المباشر من خلال الجندي والدبابة .
-مفهوم الاستعمار الجديد (المقنع) :وهو مصطلح سياسي يتمثل في نمط استعماري حديث ظهر بعد الحرب العالميةالثانية تتمثل في هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى اقتصاديا وثقافيامن خلال هيمنتها على المواد الأولية والمواد المصنعة بواسطة الشركاتالأجنبية وهيمنتها على التكنولوجيا الحديثة والنظام الاقتصادي العالميووسائل الإعلام , ويعرف هذا الاستعمار بالاستعمار المقنع .
4- سياسة سد الفراغ :وهي نمط استعماري حديث ظهر بعد الحرب العالمية ii خلال صراع الحرب الباردةبين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية , طبقته الو.م.أ بالدرجة الأولى من خلال محاولتها خلافة فرنسا في بعض المناطق المنسحبة منها مثل : الهندالصينية .
5- التحرر السياسي :هو تمكن شعوب المستعمرات من طرد الاستعمار الأوروبي العسكري المباشر من أراضيها وتحقيق الحرية السياسية لشعوبها .
6- التحرر الشامل :هو التحرر الكامل الذي يشمل كافة المجالات السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية . وهو هدف سامي ما زالت العديد من دول المستعمرات المستقلة سياسيا تناظل من أجل تحقيقه .
7- تنوع أساليب وخصائص حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية :
عرفت المستعمرات في القارات الثلاث تقريبا تزايدا في نشاط حركات التحرر بعد الحرب العالميةii نتيجة توفر عوامل داخلية وأخرى خارجية .
كما عرفت تلك المستعمرات تنوعا في أساليب الكفاح بها بين الكفاح السياسي والكفاح الاقتصادي والكفاح العسكري المسلح من جهة وتنوع خصائص حركات التحرر بها من جهة أخرى حيث وجدت بينها خصائص مشتركة وأخرى مميزة او خاصة فمن الخصائص المشتركة نذكر :
* السبب الرئيس في ظهورها هو التواجد الاوروبي في تلك المناطق
* هدفها تحرير أراضيها من ذلك التواجد الأوروبي
* انحسارها في جنوب الارض تقريبا
* التضامن فيما بينها خاصة التضامن الأفروأسيوي
* تركيزها على الكفاح السلمي السياسي في فترة ما بين الحربين وعلى الكفاح العسكري المسلح بعد الحرب العالمية ii .
أما الخصائص المميزة فمنها :
* الاختلاف في الجهة التي قامت ضدها
* الاختلاف في الشدة ( سلمي , عسكري مسلح ) والمدة .
* تميز الكفاح في البلدان العربية الإسلامية على أنه جهاد في سبيل الله علاوة على أنه كفاح من أجل تحرير الأرض
· الحركة التحررية في الهند الصينية :
الهندالصينية هي الرقعة الجغرافية الواقعة جنوب الصين وشرق الهند ومنها الهندالصينية الفرنسية التي تضم : الفيتنام , اللاووس , كمبوديا , والتي شكلت منها فرنسا منذ عام1898م كنفدرالية الهند الصينية الفرنسية .
وقد عرفت هذه المنطقة زيادة في نشاط حركات التحرر بها منذ1941م بتأسيس الفيات منه بقيادة هوشي منه , وبانتهاء الحرب العالمية ii وجدت المنطقة نفسها مقسمة إلى نصفين يفصل بينهما خط70 درجة شمالا , وقد عرف الشمال ظهور حكومة وطنية بزعامة هوشي منه في سبتمبر 1945م, في حين عرف الجنوب عودة الفرنسسين وهو ما أدى إلى اندلاع الثورة الفيتنامية ضد فرنسا في نوفمبر 1946م , وهي الثورة التي امتدت حتى ماي 1954م وانتهت لصالح الفيتناميين , وأعقبت بانعقاد قمة جنيف في جويلية 1954م التي أقرت ما يلي :
- التأكيد على تقسيم الفيتنام إلى قسمين شمالي وجنوبي , وإقامة هدنة بينهما .
- منح كمبوديا واللاووس الاستقلال التام .
- منع إقامة قواعد عسكرية أو تشكيل أحلاف عسكرية بالمنطقة .
- تقرير مصير الفيتنام من خلال استفتاء يجرى لأجل أقصاه سنتين منذ عقد المؤتمر (جويلية1945م) .
غيرأن الو.م.أ لم ترضها تلك القرارات خاصة آخرها , فعملت على تطبيق سياسة سد الفراغ في المنطقة بتدعيم من النظام الرأسمالي في جنوب الفيتنام ثم التدخل العسكري في الفيتنام , غير أنها فشلت أمام صمود الفيتناميين الذين وحدواالفيتنام تحت الراية الاشتراكية منذ صائفة 1945م.
* الحركة التحررية في الهند :
تعد الحركة التحررية في الهند من أبرز حركات التحرر في العالم لتميزها دون غيرها بأسلوب الكفاح السلمي الذي تبناه القائد الهندي غاندي والذي قاطع من خلاله الإدارة البريطانية في الهند سياسيا وإداريا وقضائياواقتصاديا متمكنا من تحقيق استقلال بلاده عن التاج البريطاني عام 1947 م والتي انشطرت إلى دول : الهند , باكستان , بنغلاداش .
* الحركة التحررية في مصر ( الثورة المصرية 23 جويلية 1952م ) :
1- طبيعتها :
حركة تحررية عربية مصرية قادها مجموعة من ضباط الجيش المصري أطلقوا على أنفسهم الضباط الأحرار , بقيادة اللواء محمد نجيب ضد النظام الملكي بمصر الممثل في شخص الملك فاروق المتعاون مع الإنجليز ضد مصالح بلاده وشعبه .
2- أسبابها :منها :
- فساد النظام الملكي المصري
- تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري .
- استمرار التواجد البريطاني رغم معاهدة الاستقلال الموقعة منذ 1936م
- هزيمة الجيش المصري في حرب فلسطين1942 م بسبب صفقة الأسلحة الفاسدة التي تورط فيها النظام المصري
إنجازات الثورة المصرية :
أ) الداخلية :
-تأميم حوالي 36% من الأراضي الإقطاعية وتوزيعها على الفلاحين الصغار في سبتمبر 1952م
- إلغاء الملكية وإقامة النظام الجمهوري في جوان 1953م
- وضع حد للوجود البريطاني في مصر بتوقيع اتفاقية الجلاء في أكتوبر 1954م
- بناء السد العالي (سد مائي) لتطوير الزراعة والصناعة بمصر
- تأميم قناة السويس في 26جويلية 1956م
- تأميم المصارف والبنوك الأجنبية بمصر في نهاية 1957م
ب) الخارجية :منها
- منح السودان استقلالها في فيفري 1953م
- تفعيل دور الجامعة العربية
- المساهمة بشكل فعال في إنشاء حركة عدم الانحياز في سبتمبر 1961م
- مواجهة الخطر الصهيوني في المنطقة العربية
- مقاومة المشاريع الغربية الرأسمالية في المنطقة العربية مثل : حلف بغداد 1955م , مشروع أيزنهاور 1957م
- محاولتها تشكيل وحدة عربية على أساس قومي جسدتها بوحدة سورية مصرية من 22فيفري 1958م حتى 28 سبتمبر 1961م
الثورة الجزائرية 1954م - 1962م
احتلت الثورة الجزائرية مكانة جد مرموقة على الساحة الدولية بإثباتها مجموعة من الحقائق شكلت خصائصا لها منها :
- أول الثورات التي أفشلت السياسة الاستطانية الأروبية خارج أوروبا
- نجاحها في أثبات مبدأ # ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة #
- إثباتها أن الانتصار على قوى الاستعمار والظلم حتمية تاريخية لا جدال فيها , أمام إرادة الشعوب التواقة للحرية والسيادة .
- مواصلتها لثورة التعمير بعد ثورة التحرير
- تمكنها من التخلص من قيود الاستدمار في وقت قصير نسبيا
- تميز موقفها الخاجي بمناصرة حركات التحرر والقضايا العادلة ومناهضة ومقاومة التسلط والهيمنة والنفوذ .
الثورة الكوبية 1956م - 1962 م
كوباجزيرة صغيرة في عرض المحيط الأطلسي محدودة الإمكانات , غير أنها تمكنت من إيجاد مكانة لها على الساحة الدولية بعد نجاح ثورتها الاشتراكية 1956م-1962م بزعامة فيدال كاسترو والتخلص من النظام الرأسمالي الممثل فيشخص جون باتيستا الموالي للو.م.أ وتطبيق النظام الاشتراكي رغم معارضةالو.م.ا وتهديدها لكوبا إلا أن إرادة الشعب الكوبي المحدود الإمكانات كانت أقوى من الو.م.ا التي تعد أقوى دولة في العالم اليوم .
من الكفاح من اجل التحرر إلى ترتيبات ما بعد الاستقلال
في ظل تزايد نشاط حركات التحرر في المستعمرات تنبأت الدول الاستعمارية وعلىرأسها بريطانيا بحصول هذه الدول على استقلالها لذلك فكرت في كيفية المحافظة على امتيازاتها الاستعمارية في تلك الدول حتى بعد استقلالها فأنشأت لذلك منظمات تربط بينها وبين مستعمراتها , إذ انشأت بريطانيا منظمة الكومنوولث عام 1931م وأنشأت فرنسا منظمة الفرونكفونية عام 1970م .
الوضعية الثانية :انعكاسات علاقات الثنائية القطبية على العالم الثالث
* التحالفات والتمزق السياسي :
خلف صراع الثنائية القطبية بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي نتائج سلبية للغاية على دول العالم الثالث كونها كانت مسرحا لأزمات تلك الصراعات , وشعوبها كانت وقودا لحروبه , كما كانت أراضيه محل تجريب للأسلحة التقليدية للمعسكرين ويبقى أخطر الانعكاسات هو التمزق السياسي الذي عانت منه بعض دول العالم الثالث ومنها :
1- الكونغو :وهي دولة في وسط غرب إفريقيا , تتربع على مساحة تقدر بـ2687000 كلم2 , غنية بثرواتها الطبيعية ومواردها المائية , قسمت منذ1884م بين فرنساوبلجيكا وبزيادة نشاط حركات التحرر في المستعمرات بعد الحرب العالمية ii تمكن الجزء الخاضع لبلجيكا من الحصول على استقلاله منذ 1960م بقيادة باتريس لوممبا الرجل الوطني الحر الذي كان عازما على تحرير المنطقة من الوجود الغربي , غير أن اتهامه بالولاء للإشتراكية وخلعه وإعدامه من قبل العناصر الموالية للغرب الرأسمالي حال دون ذلك وأبقى الكونغو مقسمة حتى بعد استقلال الجزء الخاضع لفرنسا 1969م.
2-كوريا :وهي شبه جزيرة في أقصى شرق آسيا , خضعت للإستعمار الياباني مع نهاية القرن 19م , وبانهزام اليابان في الحرب العالمية ii وتجريده من مستعمراته كان من المفروض استقلال الجزيرة موحدة , غير ان انتشار المذهب الاشتراكي في شمالها والمذهب الرأسمالي في جنوبها حال دون توحدها , رغم الحروب الأهلية بين أنصار المذهبين من جوان 1950م إلى جويلية 1953م والتي توقفت بالتوقيع على الهدنة الكورية التي أقرت بتقسيم كوريا إلى شمالية اشتراكية وجنوبية رأسمالية يفصل بينهما خط 38 شمالا .
3-الهند :وهي شبه جزيرة واسعة في جنوب آسيا , تعرضت للغزو البريطاني منذ بداية القرن 17م والذي مارس فيها سياسة *فرق تسد* , التي أدت إلى انقسامها بعد استقلالها عام 1949م إلى دولتين هما الهند وباكستان مع إلحاق منطقة البنغال شرق الهند بباكستان , ونظرا للبعد الجغرافي بينهما وهو حوالي 1600كم طالبت باستقلالها عن باكستان وكان لها ذلك , وأعلنت استقلالها عام 1971م في اليوم 03فيفري , وهو ما أدى إلى ظهور دولة بنغلاداش بعدما كان اسمها سابقا عند انتمائها إلى باكستان بباكستان الشرقية .
4- القبرص :وهي جزيرة في عرض البحر الأبيض المتوسط , غرب سواحل الشام , عرفت وجودا إسلاميا منذ الفتحات الأولى للمسلمين , حكمها العثمانيون لفترة 4 قرون ثم تعرضت لاحتلال بريطاني مع بداية القرن 20 حيث استمر حتى 1960م تاريخ استقلال الجزيرة , ووضع دستور لها أعطى الطائفة المسلمة فيها 40% من وظائف الشرطة و30% من الوظائف العامة , ومنحها حق النقض الذي يمكنها من تعطيل أي قانون يمس بمصالحها , وهو مالم يرضي الطائفة المسيحية بالجزيرة , مماجعلها تكيد للطائفة المسلمة , غير أن تدخل تركيا لحماية القبارصة الأتراك المسلمين حال دون ذلك , وأدى إلى تقسيم الجزيرة عام 1974م إلى نصفين شمالي للقبارصة المسلمين وجنوبي للقبارصة المسيحيين .
*التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية :
1/ التبعية السياسية :تمثلت في قيام الدول الاستعمارية الكبرى بربط مستعمراتها بها باتفاقيات ذات بنود مجحفة تحافظ على مصالح تلك الدول الاستعمارية في مستعمراتها حتى بعد الاستقلال , كما أن هذه الدول الاستعمارية حريصة كل الحرص على تدبير الاغتيالات والانقلابات للقيادات الوطنية من أجل إزاحتها وتنصيب أنظمة موالية لها مثال ذلك ما فعل بباتريس لوممبا بالكونغو وأنور مصدق بإيران .
2/ التبعية الاقتصادية :نجمت عن التخلف التكنولوجي ونقص رؤوس الأموال بالبلدان المتخلفة وهو ماعرضها لمساومات وشروط من قبل دول المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي .
3/ التبعية العسكرية :فرضتها حاجة الدول الماسة للمحافظة على أمنها القومي بشراء أحدث الأسلحة وأحدث الاختراعات العسكرية وهو ما وجدت فيه الدول الكبرى وشركاتها فرصة لإحكام قبضتها عسكريا على المتخلفة .
* جهود التحرر الاقتصادي والتنمية الشاملة :من اجل التخلص من التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحقيق التحررالاقتصادي والتنمية الشاملة لجأت دول العالم الثالث إلى اتباع جملة منالإجراءات ومنها الدول العربية التي لجأت إلى :
1- تفعيل دور الجامعة العربية وتنشيط مكانتها السياسية والاقتصادية على الساحة العربية .
2- محاولة انشاء سوق عربية مشتركة لتفعيل التبادل التجاري بين الدول العربية منذ1957م .
3- محاولة إنشاء منطقة للتجارة الحرة في الوطن العربي منذ1964م .
4- انشاء المنظمة العربية للبترول عام1968م من أجل استغلال أفضل للبترول العربي .
5- محاولة تحقيق وحدة قومية عربية شكلت نواتها الأولى بين مصر وسوريا من فيفري 1958 م إلى سبتمبر 1961م .
6- انشاء منظمات إقليمية عربية منها : اتحاد مجلس التعاون الخليجي سنة1981م واتحاد المغرب العربي في فيفري 1989م .
* التضامن الأفرو آسيوي :وهو التضامن بين الدول الإفريقية والآسيوية والذي بدأ منذ زيادة نشاط حركات التحرر في القارتين من خلال التضامن والتناصر فيما بين تلك الحركات من أجل تحقيق الاستقلال السياسي لبلدانها وهو ما جسده " لقاء باندونغ" أفريل 1955م , ثم تطور هذا التضامن الأفرو أسيوي إلى إيجاد موقف سياسي من الحرب الباردة بين المعسكرين هو" عدم الانحياز الإيجابي " الذي جاء بـ " حركة عدم الانحياز" والتي طورت اهتماماتها منذ مؤتمرها الرابع بالجزائر سبتمبر 1973م حيث أضافت اهتمامات اقتصادية إلى جانب اهتماماتها السياسية في مقدمتها المطالبة بتعديل النظام الاقتصادي العالمي وجعله يتماشى مع طموحات كل شعوب العالم .
* انشاء المنظمات الدولية والإقليمية :
في ظل بحث الدول المستقلة حديثا عن تحقيق التنمية الشاملة والتحرر الاقتصادي لجأت إلى تأسيس وانشاء عدة منظمات دولية وإقليمية , فمن المنظمات الإقليمية
" منظمة الوحدة الإفريقية "في إفريقيا التي أسست في ماي 1963م ’ والتي استبدلت سنة2001م بالاتحاد الإفريقي , أما على المستوى الدولي فأهم المنظمات في هذا المجال نجد " مجموعة 77 " التي تأسست منذ1964م من عدة دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادي والتي باتت تضم اليوم حوالي133 دولة
الوضعية الثالثة: سقوط الاتحاد السوفياتي و أثره على العالم الثالث
*الكفاءة المستهدفة: أثر سقوط الاتحاد السوفياتي على العلاقات الدولية و تحول الصراع بين الشرق و الغرب إلى شمال وجنوب
*الإشكالية: لقد هيمن الا س على قرابة الأربع عقود سياسيا وعسكريا في مواجهة القطب الرأسمالي بزعامة الوم أ لينهار في مطلع التسعينيات بسبب عوامل داخلية و أخرى خارجية و فتح المجال أمام نظام دولي جديد بزعامة الو م أ و كانت تداعياته خطيرة على دول العالم الثالث
1/أثر سقوط الا س في تكريس الاستعمار و التبعية:
تبع سقوط الا س و من ورائه دول المعسكر الشيوعي ظهور مجموعة الدول المستقلة بإعلانها الاستقلال عن السلطة المركزية، و بروز روسيا الاتحادية باعتبارها الوريث الشرعي للا س( لها مقعد دائم في مجلس الأمن و ترسانة كبيرة من السلاح النووي).
* أول الدول المتأثرة مباشرة بهذا التغير هي دول أوربا الشرقية حيث بنهاية الحرب الباردة ظهرت موجة من الحركات المطالبة بالانفصال عن الا س الأمر الذي أدى إلى تصدع المعسكر الشيوعي و ظهور دول جديدة أولها في بولونيا في 1989 و كذا في دول البلطيق ثم بلغاريا في 1991 و أوكرانيا في 1991.
2/نهاية الحرب الباردة و أثرها على العلاقات الدولية:
- ظهرت بوادر نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي منذ وصول غورباتشوف 1985م إلى السلطة و تأكد ذلك بعقد مؤتمر مالطا سنة 1989 و أعلننهائيا عن نهاية الحرب الباردة بتوقيع الا س و الو م أ على وثيقة باريس في23/12/1990.
- هذه التطورات زعزعت الاستقرار في العديد من دول العالم الثالث ذات الأنظمة اليسارية كأفغانستان و يوغسلافيا.
- انتقال الصراع بين الشرق و الغرب إلى الشمال و الجنوب و تحول العالم من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية في إطار النظام الدولي الجديد الذي أعطى مسارا جديدا للعلاقات الدولية موكلا للو م أ قيادة العالم بمنظورها من خلال الهيئات الدولية هيأة الأمم و الناتو.
- اضطرار دول العالم الثالث إلى التأقلم مع التطورات الجديدة و تخليها عن مناهضة الامبريالية بما و يتلاءم مع الأحادية القطبية.
- سعي الو م أ إلى إضعاف دور حركة عدم الانحياز و التقليل من فاعلية التعاون بين دول الجنوب.
3/حدوث أزمات دولية و فرض الارادة الأمريكية:
* انهيار الأنظمة الاشتراكية في أعقاب سقوط الا س و سعي هذه الدول للقيامبإصلاحات أرهق كاهلها و أجبرها على اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية (fmi-bird) و أمام عجز هذه الدول عن السداد فرضت عليها أنظمة اقتصادية واجتماعية و حتى تعليمية وفق المنظور الغربي الذي هو في الحقيقة تكريسللاستعمار الجديد.
* كانت المديونية أكثر وسائل الابتزاز السياسي ( تبني أنظمة تعددية بهدف إيجاد تنظيمات داخلية موالية) مثلما حدث في العراق و الجزائر.
* فرض الديمقراطية الأمريكية بالقضاء على الأنظمة الديكتاتورية حسب التصور الأمريكي.
* تمزيق الأمة العربية و تمكين دولة إسرائيل في المنطقة